محليات

"النافعة" وإدارات الدولة: نظام الرشاوى والعمولات بدل الرواتب

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

قبل الحرب في سوريا كانت فكرة "الإكراميات" قائمة، ولكن بشيء من الخفر وربما بعض الخجل. أما بعد الحرب ومع انهيار الوضع الاقتصادي، باتت "الإكراميات" جزءاً من مدخول الموظف أو العسكري. ما يعني تشريعها، ولو بغياب نص قانوني واضح. فالحكومة السورية لم تكن قادرة على زيادة رواتب العسكر وموظفي القطاع العام، فسمحت بتكثيف نظام "الإكراميات"، حيث أصبح كل شيء "مدفوعاً".

ويبدو أننا في لبنان نقلّد التجربة السورية، وربما نتفوق عليها. فالحكومة اللبنانية، تشجع جسمها البيروقراطي الضخم على تأمين مداخيله كيفما اتفق، طالما أنها "مفلسة" تقريباً، ولا يمكنها دفع الرواتب اللائقة.

تعميم ثقافة "البرّاني"
مع الانهيار الاقتصادي وانهيار المرافق التي تقدم الخدمات للبنانيين بسبب الفساد والإضرابات وغياب الموظفين والاعتقالات القضائية في دوائر عقارية ومصلحة "النافعة"، بدأت الدولة تشرّع ولو من دون نص قانوني واضح مسألة الحصول على الإكراميات في كل المجالات. مع العلم أن هذه "الإكراميات" أو الرشاوى ترتدي في كل مرفق طابعاً خاصاً مختلفاً.

على سبيل المثال، قصدت إحدى الصديقات مركزاً للأمن العام في "الجديدة" لتقديم طلب الحصول على جواز سفر جديد، فوصلت عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً، ولم يكن هناك أي زحمة للمواطنين في المركز. فسألت عن إمكانية تقديم الطلب، فكان الجواب أن عليها الحضور فجراً لتسجيل اسمها ومن ثم العودة صباحاً، أو بإمكانها التقدم بطلب الحصول على جواز سفر مستعجل، وهو ما يكلفها حسب موقع الأمن العام 4 مليون و900 ألف ليرة إضافية.

وحسب المعلومات، فإن عناصر في الأمن العام يحاولون التضييق على المواطن، لدفعه باتجاه طلب الحصول على جواز السفر المستعجل، تارة من خلال التذرع بغياب المواعيد، وتارة من خلال التخويف من طول الوقت الذي يحتاجه إصدار جواز السفر العادي. وهذا يعني تحميل المواطن أعباءً إضافية، شرعية وقانونية، ولكن يمكن إدراجها أيضاً في سياق "الإكراميات" لإدارة رسمية بأكملها.

وكما في الأمن العام كذلك في غيرها من المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات للمواطن، ومنها النافعة على سبيل المثال. إذ يكشف مصدر مطلع على ما يجري في النافعة، أن الإكرامية سابقاً كانت تُدفع بشكل عام من أجل قيام السمسار بتخليص المعاملات بسرعة. فالمواطن العادي إن رغب بتخليص معاملته بنفسه، سيتمكن من ذلك ولكنه سيحتاج إلى وقت مديد، بسبب الإجراءات المعقدة و"دهاليز" مباني النافعة. أما اليوم، فهو لا يستطيع ذلك، حيث باتت "الإكرامية" شرطاً لازماً من أجل البدء بتخليص المعاملة. ومن دون دفعها سيكون على المواطن الانتظار من يوم خميس إلى آخر ضمن طوابير طويلة من المواطنين.

"أعباء" غير معروفة السبب والوجهة
عندما "نُفضت" النافعة، استبشر اللبنانيون خيراً، لكنهم سرعان ما عادوا إلى أرض الواقع ليكتشفوا أن الوضع أصبح أسوأ. وباتت الرشوة شرطاً أساسياً للحصول على الخدمات. فحسب المصدر، يعرض المواطن بنفسه دفع مبلغ من المال لتخليص المعاملة. وهذا المبلغ يتفاوت حسب نوع معاملته. والمبالغ تتراوح بين 50 دولاراً أميركياً على الخدمة الصغيرة، و200 دولار على خدمة تسجيل بعض السيارات. وكأن المواطن يعلم أن لا حلّ أمامه سوى دفع الرشوة.

لا يكشف المصدر عن كيفية تجزئة الإكراميات بين الموظفين. ولكنه يقول إن هناك حصة صغيرة للسمسار، والحصة الأكبر لآخرين. مشيراً إلى أن "الصرخة" أمام النافعة لا تصدر عادة من المواطن الذي يدفع الإكراميات، إنما من المواطن الذي لم يدفع، وينتظر في الصفوف الطويلة، ولا يحين دوره لعدة أيام.

كذلك هناك مبالغ مالية يدفعها المواطن من دون الحصول على إيصالات. ما يعني أنها تُدفع من خارج النظام الرسمي، ولا يُعرف كيفية صرفها أو هوية من يحصل عليها. ومن هذه المبالغ، مليون ليرة مقابل الحصول على "استمارة استعلام عن مركبة"، أي الورقة التي يطلبها المواطن لمعرفة وضع المركبة القانوني، مع العلم أنه قد قُدم إخباراً بخصوص هذا الأمر إلى القضاء.

كل ذلك، إلى جانب ما قيل عن مسألة اللاصقات الإلكترونية التي يدفع المواطن ثمنها مليون ليرة من دون الحصول عليها. وقد نُشر عن هذه المسألة الكثير في الأيام الماضية، علماً أن عدداً كبيراً من المواطنين لم يحصلوا على هذه اللاصقة في سنوات سابقة أيضاً.

شركات تحويل الأموال وعمولات الميكانيك
انتظر اللبنانيون وقتاً طويلاً قبل أن يُفتح جدول "الميكانيك"، وبدء استيفاء رسوم السير السنوية بعد تعديل الأسعار ورفعها. فقد أعلنت هيئة إدارة السير والآليات والمركبات- مصلحة تسجيل السيارات والآليات، بدء إستيفاء رسوم السير السنوية لدى كافة مراكز شركات تحويل الأموال‏ (OMT-WHISH MONEY-CASH PLUS-BOB FINANCE) اعتباراً من مطلع الشهر الحالي. تهافت المواطنون على الدفع، بظل الحملة الأمنية التي تقوم بها مؤسسة قوى الأمن الداخلي، فتعطل نظام الدفع مراراً وتكراراً. إذ كان لنا تجربة في وقت كتابة هذا التقرير، حيث تبيّن حسب أحد الوكلاء أن "السيستيم" معطّل حالياً، وأنه يعمل ويتوقف أكثر من مرة خلال النهار.

كذلك ارتفعت صرخة بخصوص عمولات شركات تحويل الأموال على كل معاملة "ميكانيك" (راجع "المدن"). ولكن حسب معلومات "المدن"، فإن العمولة الرسمية لشركة "OMT" على سبيل المثال هي 20 ألف ليرة فقط، ويكون الرقم مدرجاً ضمن الوصل الرسمي، إنما هناك بعض الوكلاء من مقدمي الخدمات يُضيفون عمولة خاصة بهم تصل اإلى 200 ألف ليرة، مقابل تصوير المستندات!

في شركة "wish" فإن العمولة هي "صفر"، ويُفضّل أن يتم الدفع في أحد الفروع الرئيسية للشركة، لأن بعض الوكلاء أيضاً يُضيفون عمولة بعناوين مختلفة تتراوح بين 100 و200 ألف ليرة، وتصل لدى البعض إلى 400 ألف ليرة، حسب معلومات "المدن".

في شركة "BOB finance" تبلغ العمولة على معاملة دفع رسوم السير 30 ألف ليرة فقط، وأيضاً في المراكز الرئيسية، بينما الوكلاء يطلبون مبالغ إضافية كثمن للحبر في الطابعة أو تصوير المستندات!

في كل الأحوال، "منشار" دفع العمولة أو الرشوة أو الخوّة المقنّعة، يعمل بنشاط وحمية في كل دوائر الدولة كما في كل ما يتصل بالخدمات الوسيطة.


 

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا